الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
هذا الباب له صلة قوية بما قبله، لأن ما قبله فيه حكم من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وهذا فيه الإنكار على من أراد التحاكم إلى غير الله ورسوله، وقد ذكر الشيخ رحمه الله فيه أربع آيات: * الآية الأولى ما جعلها ترجمة للباب، وهي قوله تعالى: (ألم تر). الاستفهام يُراد به التقرير والتعجب من حالهم، والخطاب للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: والذي أُنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكتاب والحكمة، قال تعالى: قوله: (إلى الطاغوت). صيغة مبالغة من الطغيان، ففيه اعتداء وَبغي، والمراد به هنا كل حكم خالف حكم الله ورسوله، وكل حاكم يحكم بغير ما أنزل الله على رسوله، أما الطاغوت بالمعني الأعم، فقد حَدَّه ابن القيم بأنه: " كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع "، وقد تقدَّم الكلام عليه في أول كتاب التوحيد. قوله: قوله: (ويريد الشيطان). جنس يشمل شياطين الإنس والجن. قوله: (أن يضلهم ضلالًا بعيدًا). أي: يوقعهم في الضلال البعيد عن الحق، ولكن لا يلزم من ذلك أن ينقلهم إلى الباطل مرة واحدة، ولكن بالتدريج. فقوله: (بعيدًا). أي ليس قريبًا، لكن بالتدريج شيئًا فشيئًا حتى يوقعهم في الضلال البعيد. قوله: (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلي الرسول). أي: قال لهم الناس: أقبلوا قوله: والمعني: كأنما تشاهدهم. وقوله: (رأيت المنافقين). إظهار في موضع الإضمار لثلاث فوائد: الأولى: أن هؤلاء الذين يزعمون الإيمان كانوا منافقين. الثانية: أن هذا لا يصدر إلا من منافق، لأن المؤمن حقًا لابد أن ينقاد لأمر الله ورسوله بدون صدود. الثالثة: التنبيه، لأن الكلام إذا كان على نسق واحد قد يغفل الإنسان عنه، فإذا تغير، حصل له انتباه. وقوله: (رأيت المنافقين) جواب " إذا "، وكلمة " صد " تستعمل لازمة، أي: يوصف بها الشخص ولا يتعداه إلى غيره، ومصدرها صدود، كما في هذه الآية، ومتعدية، أي: صد غيره، ومصدرها صد، كما في قوله تعالى: وقوله: فالدنيوية مثل: الفقر، والجدب، وما أشبه ذلك، فيأتون يشكون إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فيقولون: أصابتنا هذا المصائب ونحن ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق. والشرعية: إذا أظهر الله رسوله على أمرهم، خافوا وقالوا: يا رسول الله ! ما أردنا إلا الإحسان والتوفيق. قوله: وقوله: قوله: فالإنسان يعزم على الشيء ثم لا يدري إلا وعزيمته منتقضة بدون سبب ظاهر. قوله: (فأعرض عنهم). وهذا من أبلغ ما يكون من الإهانة والاحتقار. قوله: (وعظهم). أي: ذَكَّرهم وخَوَّفهم، لكن لا تجعلهم أكبر همك، فلا تخافهم، وقم بما يجب عليك من الموعظة لتقوم عليهم الحجة. قوله: الأول: أن الجار والمجرور في أنفسهم متعلق ببليغ، أي قل لهم قولا بليغًا في أنفسهم، أي: يبلغ في أنفسهم مبلغًا مؤثرًا. الثاني: أن المعني: أنصحهم سرًا في أنفسهم. الثالث: أن المعني: قل لهم في أنفسهم (أي: في شأنهم وحالهم) قولًا بليغًا في قلوبهم يؤثر عليها، والصحيح أن الآية تشمل المعاني الثلاثة، لأن اللفظ صالح لها جميعًا، ولا منافاة بينها، وهذه قاعدة في التفسير ينبغي التنبيه لها، وهي أن المعاني المحتملة للآية والتي قال بها أهل العلم إذا كانت الآية تحتملها وليس بينها تعارض: فإنه يؤخذ بجميع المعاني. وبلاغة القول تكون في أمور: الأول: هيئة المتكلم بأن يكون إلقاؤه على وجه مؤثر. وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا خطب، احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيشًا، يقول: صبَّحكم ومَسَّاكم . الثاني: أن تكون ألفاظه جزلة مترابطة محدودة الموضوع. الثالث: أن يبلغ من الفصاحة غايتها بحسب الإمكان، بأن يكون كلامه: سليم التركيب، موافقًا للغة العربية، مطابقًا لمقتضى الحال. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "إن هذه الآية تنطبق تمامًا على أهل التحريف والتأويل في صفات الله، لأن هؤلاء يقولون: إنهم يؤمنون بالله ورسوله، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلي الرسول، يعرضون، ويصدون ويقولون: نذهب إلى فلان وفلان، وإذا اعترض عليهم، قالوا: نريد الإحسان والتوفيق، وأن نجمع بين دلالة العقل ودلالة السمع ". ذكره رحمة الله في الفتوى الحموية. قوله: وقوله: وقوله:
* الآية الثانية قوله تعالى: الإفساد في الأرض نوعان: الأول: إفساد حسي مادي: وذلك مثل هدم البيوت وإفساد الطرق وما أشبه ذلك. الثاني: إفساد معنوي، وذلك بالمعاصي، فهي من أكبر الفساد في الأرض، قال تعالى: قوله: ولهذا قال تعالى: ومناسبة الآية للباب ظاهرة، وذلك أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله من أكبر أسباب الفساد في الأرض. * الآية الثالثة قوله تعالى: * قوله: (بعد إصلاحها). من قبل المصلحين، ومن ذلك الوقوف ضد دعوة أهل العلم والوقوف ضد دعوة السلف، والوقوف ضد من ينادي بأن يكون الحكم بما في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . * وقوله: (بعد إصلاحها) من باب تأكيد اللوم والتوبيخ، إذا كيف يفسد الصالح وهذا غاية ما يكون من الوقاحة والخبث والشر؟ فالإفساد بعد الإصلاح أعظم وأشد من أن يمضي الإنسان في فساده قبل الإصلاح، وإن كان المطلوب هو الإصلاح بعد الفساد. * ومناسبة الآية للباب: أن التحاكم إلى ما أنزل الله هو الإصلاح، وأن التحاكم إلى غيره هو الإفساد. * الآية الرابعة قوله تعالى: و(يبغون): يطلبون، والإضافة في قوله: (حكم الجاهلية) تحتمل معنيين: أحدهما: أن يكون المعنى: أفحكم أهل الجاهلية الذين سبقوا الرسالة يبغون، فيريدون أن يعيدوا هذه الأمة إلى طريق الجاهلية التي أحكامها معروفة، ومنها البحائر، والسوائب، وقتل الأولاد. ثانيهما: أن يكون المعنى: أفحكم الجهل الذي لا يبنى على العلم يبغون، سواء كانت عليه الجاهلية السابقة أو لم تكن، وهذا أعم. والإضافة للجاهلية تقتضي التقبيح والتنفير. وكل حكم يخالف حكم الله، فهو جهل وجهالة. فإن كان مع العلم بالشرع، فهو جهالة، وإن كان مع خفاء الشرع، فهو جهل، والجهالة هي العمل بالخطأ سفهًا لا جهلًا، قال تعالى: قوله: وقوله: (حكمًا). تمييز، لأنه بعد اسم التفضيل، وهو مبهم، فبيَّن هذا التمييز المبهم وميزه. والحكم هنا يشمل الكوني والشرعي. فإن قيل يوجد في الأحكام الكونية ما هو ضار مثل الزلازل والفيضانات وغيرها، فأين الحُسن في ذلك؟ أُجيب: أن الغايات المحمودة في هذه الأمور تجعلها حسنةً، كما يضرب الإنسان ولده تربية له، فيعد هذا الضرب فعلًا حسنًا، فكذلك الله يصيب بعض الناس بهذه المصائب لتربيتهم، قال تعالى في القرية التي قلب الله أهلها قردة خاسئين: وقوله: وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: قوله في حديث عبد الله بن عمر: (لا يؤمن أحدكم ) . أي إيمانًا كاملًا إلا إذا كان لا يهوي ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالكلية، فإنه ينتفي عنه الإيمان بالكلية، لأنه إذا كره ما أنزل الله، فقد حبط عمله لكفره، قال تعالى قوله: " حتى يكون هواه تبعًا لما جئب به ". الهوي بالقصر هو: الميل، وبالمد هو: الريح، والمراد الأول. و" حتى ": للغاية، والذي جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو القرآن والسنة. وإذا كان هواه تبعًا لما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لزم من ذلك أن يوافقه تصديقًا بالأخبار، وامتثالًا للأوامر، واجتنابًا للنواهي. واعلم أن أكثر ما يطلق الهوى على هوى الضلال لا على هوى الإيمان، قال تعالى: وقد سبق بيان أن مَن اعتقد أن حكم غير الله مساو لحكم الله، أو أحسن، أو أنه يجوز التحاكم إلى غير الله، فهو كافر. وأما مَن لم يكن هواه تبعًا لما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فإن كان كارهًا له، فهو كافر وإن لم يكن كارهًا ولكن آثر محبة الدنيا على ذلك، فليس بكافر، لكن يكون ناقص الإيمان. قوله:" قال النووي: حديث صحيح ". صححه النووي وغيره، وضعفه جماعة من أهل العلم، منهم ابن رجب في كتابه " جامع العلوم والحكم "، ولكن معناه صحيح. قوله في أثر الشعبي: " وقال الشعبي". أي: في تفسير الآية. قوله: " رجل من المنافقين ". هو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وسمي منافقًا من النافقاء، وهي جُحر اليربوع، واليربوع له جُحر له باب وله نافقاء - أي يحفر في الأرض خندقًا حتى يصل منتهي جحره ثم يحفر إلى أعلى، فإذا بقي شيء قليل بحيث يتمكن من دفعه برأسه توقف، فإذا حُجر عليه من الباب خرج من النافقاء. قوله: " ورجل من اليهود ". اليهود هو المنتسبون إلى دين موسى عليه السلام، وسموا بذلك إما من قوله: قوله: " إلى محمد ". أي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولم يذكره بوصف الرسالة، لأنهم لا يؤمنون برسالته، ويزعمون أن النبي الموعود به سيأتي. قوله: " عرف أنه لا يأخذ الرشوة " تعليل لطلب التحاكم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. والرشوة: مُثَلثةُ الراء، فيجوز الرِّشوة، والرَّشوة، والرُّشوة، وهي: المال المدفوع للتوصل إلى شيء. قال أهل العلم: " لا تكون محرمة إلا أذا أراد الإنسان أن يتوصل بها إلى باطل أو دفع حق، أما مَن بذلها ليتوصل بها إلى حق له منع منه أو ليدفع بها باطلًا عن نفسه، فليست حرامًا على الباذل، أما على آخذها، فحرام ". قوله: " فاتفقا أن يأتيا كاهنًا في جهينة ". كأنه صار بينهما خلاف، وأبي المنافق أن يتحاكما إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. والكاهن: مَن يدَّعي علم الغيب في المستقبل، وكان للعرب كُهان تنزل عليهم الشياطين بخبر السماء، فيقولون: سيحدث كذا وكذا، فربما أصابوا مرة من المرات، وربما أخطؤوا، فإذا أصابوا أدَّعوا علم الغيب، فكان العرب يتحاكمون إليهم، فنزل قوله تعالى: وقيل: " نزلت في رجلين أختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقال الآخر: إلى: كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أكذلك؟: نعم. فضربه بالسيف فقتله " . قوله: " وقيل ". ذكر هذه القصة بصيغة التمريض، لكن ذكر في " تيسير العزيز الحميد ": أنها رُويت من طرق متعددة، وأنها مشهورة متداولة بين السلف والخلف تداولًا يُغني عن الإسناد، ولها طرق كثيرة ولا يضرها ضعف إسنادها. ا. هــ. قوله: " رجلين ". هما مبهمان، فيحتمل أن يكونا من المسلمين المؤمنين، ويحتمل أن يكونا من المنافقين، ويحتمل غير ذلك. قوله: " إلى كعب بن الأشرف ". وهو رجل من زعماء بني النضير. قوله: " أكذلك ". خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: أكذلك الأمر. قوله: " فضربه بالسيف ". الضارب عمر. وهذه القصة والتي قبلها تدل على أن من لم يرض بحكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كافر يجب قتله، ولهذا قتله عمر رضي الله عنه. فإن قيل: كيف يقتله عمر رضي الله عنه والأمر إلى الإمام وهو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ أجيب: أن الظاهر أن عمر لم يملك نفسه لقوة غَيرته فقتله، لأنه عرف أن هذا ردة عن الإسلام، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
* فيه مسائل: الأولى: تفسير آية النساء وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت. الثانية: تفسير آية البقرة: الأولى: تفسير آية النساء وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت. وهي قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك}. وقوله: " وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت ". أي: أن الطاغوت مشتق من الطغيان، وإذا كان كذلك، فيشمل كل ما تجاوز به العبد حده من متبوع أو معبود أو مطاع، فالأصنام والأمراء والحكام الذين يُحلون الحرام ويحرمون الحلال طواغيت. * الثانية: تفسير آية البقرة: * الثالثة: تفسير آية الأعراف: * الرابع: تفسير * الخامسة: ما قال الشعبي في سبب نزول الآية الأولى. وقد سبق. * السادسة: تفسير الإيمان الصادق والكاذب. فالإيمان الصادق يستلزم الإذعان التام والقبول والتسليم لحكم الله ورسوله، والإيمان الكاذب بخلاف ذلك. * السابعة: قصة عمر مع المنافق. حيث جعل عدوله عن الترافع إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبيحًا لقتله لردته، وأقدم على قتله لقوة غيرته فلم يملك نفسه. * الثامنة: كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعًا لما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وهذا واضح من الحديث. ***
***
الجحد: الإنكار، والإنكار نوعان: الأول: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحدًا أنكر أسمًا من أسماء الله أوصفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة، مثل أن يقول: ليس لله يد، أو أن الله لم يستو على عرشه، أو ليس له عين، فهو كافر بإجماع المسلمين، لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن المللة بالإجماع. الثاني: إنكار تأويل، وهو أن لا ينكرها ولكن يتأولها إلى معني يخالف ظاهرها، وهذا نوعان: 1- أن يكون للتأويل مُسَوِّغ في اللغة العربية، فهذا لا يُوجب الكفر. 2- أن يكون له مُسَوِّغ في اللغة العربية، فهذا حكمه الكفر لأنه إذا لم يكن له مسوغ صار في الحقيقة تكذيبًا، مثل أن يقول: المراد بقوله تعالى {تجري بأعيننا} [القمر: 14] تجري بأراضينا، فهذا كافر لأنه نفاها نفيًا مطلقًا، فهو مُكذَّب. ولو قال في قوله تعالى: فقوله: من يد، أي: من نعمة، لأن المانوية يقولون: إن الظلمة لا تخلق الخير، وإنما تخلق الشر. قوله: " من الأسماء ". جمع اسم، واختلف في اشتقاقه، فقيل: من السمو، وهو الارتفاع، ووجه هذا أن المسمي يرتفع باسمه ويتبين ويظهر. وقيل: من السّمة وهي العلامة، ووجهه: أنه علامة على مسماه، والراجح أنه مشتق من كليهما. والمراد بالأسماء هنا أسماء الله عز وجل، وبالصفات صفات الله عز وجل، والفرق بين الاسم والصفة أن الاسم ما تسمي به الله والصفة ما اتصف بها. * البحث في أسماء الله: المبحث الأول: أن أسماء الله أعلام وأوصاف، وليست أعلامًا محضة؛ فهي من حيث دلالتها على ذات الله تعالى أعلام، ومن حيث دلالتها على الصفة التي يتضمنها هذا الاسم أوصاف ، بخلاف أسمائنا، فالإنسان يسمي ابنه محمدًا وعليًا دون أن يلحظ معني الصفة، فقد يكون اسمه عليًا وهو من أوضع الناس، أو عبد الله وهو من أكفر الناس، بخلاف أسماء الله، لأنها متضمنة للمعاني، فالله هو العلي لعلو ذاته وصفاته، والعزيز يدل على العزة، والحكيم يدل على الحكمة، وهكذا. ودلالة الاسم على الصفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: دلالة مطابقة، وهي دلالته على جميع معناه المحيط به. الثاني: دلالة تَضَمُّن، وهي دلالته على جزء معناه. الثالث: دلالة التزام على أمر خارج لازم. مثال ذلك: الخالق يدل على ذات الله وحدات، وعلى صفة الخلق وحدها دلالة تضمن، ويدل على ذات الله وعلى صفة الخلق فيه دلاله مطابقة، ويدل على العلم والقدرة دلالة التزام. كما قال الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا} [الطلاق: 12]، فَعَلمْنَا القدرة من كونه خلق السماوات والأرض، وعَلّمنَا العلم من ذلك أيضًا، لأن الخلق لابد فيه من علم، فمن لا يعلم لا يخلق، وكيف يخلق شيئًا لا يعلمه؟ ! المبحث الثاني: أن أسماء الله مترادفة متباينة، المترادف: ما أختلف لفظه واتفق معناه، والمتباين: ما اختلف لفظه ومعناه، فأسماء الله مترادفة باعتبار دلالتها على ذات الله عز وجل لأنها تدل على مسمى واحد، فالسميع، البصير، العزيز، الحكيم، كلها تدل على شيء واحد هو الله، ومتباينة باعتبار معانيها، لأن معنى الحكيم غير معني السميع وغير معني البصير، وهكذا. المبحث الثالث: أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث ابن مسعود الحديث الصحيح المشهور: " اللهم ! إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك.. - إلى أن قال: أسألك بكل أسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) ، وما أستأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلَم به، وما ليس بمعلوم فليس بمحصور. وأما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: المبحث الرابع: الاسم من أسماء الله يدل على الذات وعلى المعنى كما سبق، فيجب علينا أن نؤمن به اسمًا من الأسماء، ونؤمن بما تَضَمَّنه من الصفة، ونؤمن بما تَدُلّ عليه هذه الصفة من الأثر والحكم إن كان الاسم معتدياُ، فمثلًا: السميع نؤمن بأن من أسمائه تعالى السميع، وأنه دال على صفة السمع، وأن لهذا السمع حُكمًا وأثرًا وهو أنه يسمع به، كما قال تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير} [المجادلة: 1]، أما إن كان الاسم غير متعد، كالعظيم، والحي، والجليل، فتثبت الاسم والصفة، ولا حكم له يتعدى إليه. المبحث الخامس: هل أسماء الله تعالى غيره، أو أسماء الله هي الله؟ إن أُريد بالاسم اللفظ الدال على المسمى، فهي غير الله عز وجل، وإن أُريد بالاسم مدلول ذلك اللفظ، فهي المسمي. فمثلًا: الذي خلق السماوات والأرض هو الله، فالاسم هنا هو المُسَمَّى، فليست " اللام، والهاء " هي التي خلقت السماوات والأرض، وإذا قيل: اكتب باسم الله. فكتبت بسم الله، فالمراد به الاسم دون المسمى، وإذا قيل: اضرب زيدًا. فضربت زيدًا المكتوب في الورقة لم تكن ممتثلًا، لأن المقصود المسمى، وإذا قيل: اكتب زيد قائم فالمراد الاسم الذي هو غير المسمى. * البحث في صفات الله: المبحث الأول: تنقسم صفات الله إلى ثلاثة أقسام: الأول: ذاتية ويقال معنوية. الثاني: فعلية. الثالث: خبرية. فالصفات الذاتية: هي الملازمة لذات الله، والتي لم يزل ولا يزال متصفًا بها، مثل: السمع والبصر وهي معنوية، لأن هذه الصفات معانٍ. والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن لم يشأ لم يفعلها، مثل: النزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والكلام من حيث آحاده، والخلق من حيث آحاده، لا من حيث الأصل، فأصل الكلام صفة ذاتية، وكذلك الخلق. والخبرية: هي أبعاض وأجزاء بالنسبة لنا، أما بالنسبة لله، فلا يقال هكذا، بل يقال: صفات خبرية ثبت بها الخبر من الكتاب والسنة، وهي ليست معنىً ولا فعلًا، مثل: الوجه، والعين، والساق، واليد. المبحث الثاني: الصفات أوسع من الأسماء، لأن كل اسم متضمن لصفة، وليس كل صفة تكون اسمًا، وهناك صفات كثيرة تطلق على الله وليست من أسمائه، فيوصف الله بكلام والإرادة، ولا يسمي بالمتكلم أو المريد. المبحث الثالث: إن كل ما وصف الله به نفسه، فهو حق على حقيقته، لكن ينزه عن التمثيل والتكييف، أما التمثيل، فلقوله تعالى: أحدهما: أن التمثيل هو الذي جاء به القرآن وهو منفي مطلقًا، بخلاف التشبيه، فلم يأت القرآن بنفيه. الثاني: أن نفي التشبيه على الإطلاق لا يصح، لأن كل مَوجودَيْن فلا بد أن يكون بينهما قَدُر مشترك يشتبهان فيه ويتميز كل واحد بما يختص به، فـ: " الحياة " مثلًا وصف ثابت في الخالق والمخلوق، فبينهما قدر مشترك، ولكن حياة الخالق تليق به وحياة المخلوق تليق به. الثالث: أن الناس اختلفوا في مسمى التشبيه، حتى جعل بعضهم إثبات الصفات التي أثبتها الله لنفسه تشبيهًا، فإذا قيل من غير تشبيه، فَهمَ هذا البعض من هذا القول نفي الصفات التي أثبتها الله لنفسه. وأما التكييف، فلا يجوز أن نُكيِّف صفات الله، فمن كيَّف صفة من الصفات، فهو كاذب عاص، كاذب لأنه قال بما لا علم عنده فيه، عاص لأنه واقع فيما نهي كاذب عاص، كاذب لأنه قال بما لا علم عنده فيه، عاص لأنه واقع فيما نهي الله عنه وحَرّمه في قوله تعالى: وسواء كان التكييف باللسان تعبيرًا أو بالجنان تقديرًا أو بالبيان تحريرًا، ولهذا قال مالك رحمه الله حين سئل عن كيفية الاستواء: " الكيف مجهول، والسؤال عنه بدعه "، وليس معنى هذا أن لا نعتقد أن لها كيفية، بل لها كيفية، ولكنها ليست معلومة لنا، لأن ما ليس له كيفية ليس بموجود، فالاستواء والنزول واليد والوجه والعين لها كيفية، لكننا لا نعلمها، ففرق بين أن نثبت كيفية معينه ولو تقديرًا وبين أن نؤمن بأن لها كيفية غير معلومة، وهذا هو الواجب، فنقول: لها كيفية، لكن غير معلومة. فإن قيل: كيف يُتَصَوَّر أن نعتقد للشيء كيفية ونحن لا نعلمها؟ أجيب: إنه متصور، فالواحد منا يعتقد أن لهذا القصر كيفية من داخله، ولكن لا يعلم هذه الكيفية إلا إذا شاهدها، أو شاهد نظيرها، أو أخبره شخص صادق عنها.
|